محمد عواد - يتميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بامتلاكه ذاكرة طويلة عاقلة مرتبطة بمنطق تحليلي، وهو بعض الأحيان يكون سعيداً لامتلاكه هذه الذاكرة عند ارتباطها بأحداث سعيدة، وفي أحيان أخرى يتحدث عن "نعمة النسيان" ويتألم لافتقاده إليها في مواقف يتمنى أنها لو لم تحدث.
حالة السعادة والتعاسة السابقة مرتبطة بالذاكرة الواعية، فنحن نتذكر ونستشعر هذا الأمر، لكن هناك نوع من الذاكرة خطير لو لم ننتبه له، يؤثر على تصرفاتنا ويتحكم بنا من دون أن نعلم، فنتوهم أن تصرفاتنا تلقائية ذاتية وما هي إلا انعكاس لماضٍ عشناه، وذكريات مدونة لا يشعر بها عقلنا الباطن.
فذلك الشاب الذي غير عمله مرة، ولكنه مر بظروف صعبة في العمل الجديد، مدير جاهل وزملاء أشرار، مضت التجربة، واستمر في حياته، وجد عملاً آخر، لكنه كلما جاءه عرض جديد مميز خلق الحجج ليرفضه، وبحث عن انفعالات تقوده لقول "لا".
أتحدث عن تصرف يبدو طبيعياً له ومبرر منطقياً، ولا يبدو للوهلة الأولى مرتبطاً بتجربة مؤلمة، فهو فعلاً يرحب بفرصة جديدة، ويتألق بمقابلاتها الوظيفية، لا يعاني من مشكلة نفسية أبداً من تجارب الماضي، لكن عندما يحين موعد التوقيع يقول "لا".
الذاكرة الخفية لا تبني قناعات لدينا، أي لا يقول ذلك الموظف "في المرة المقبلة سوف أكون حريصاً"، وإلا فهذه كانت تجربة تؤثر على قراراتنا، وهذا أمر منتشر، ويمكن التعامل معها بعقلانية لأننا واعين لها...كما أنها لا تترك جروحاً نفسية وإلا كانت صدمة.
هي شيء بلا وصف وبلا إدراك، نحن نتصرف ونقوم بقرارات تقيدنا، لا نعرف لماذا نتوتر من دون مبرر عند استقبال اتصال او رسالة بوقت معين، ولا نعرف لماذا هناك أغنية معينة رغم أنها مبهجة تؤدي إلى تعكير مزاجنا، لكن في النهاية نشعر أن هناك شيء غير طبييعي شيء في داخلنا لا يصعد أبداً إلى الوعي لكنه يؤثر على القرار.
كيف نتعامل مع هذا الجزء الجديد ؟
مراجعة أفكارنا وتصرفاتنا هي نصيحة معظم الفلاسفة والمفكرين الذين قرأت لهم، لن نستطيع التخلص أبداً من الذاكرة الخفية، فهي موجودة في تكويننا إلى الأبد، لكننا نستطيع بمراجعة أهم قراراتنا أو تصرفاتنا كل أسبوع أو شهر، أن نتعرف على اوجه جديدة مما جرى، سنجبر بعض هذه الذاكرة الخفية أن تخرج من مخبئها، وسوف نضمن ألا تعود ببعض المواقف وتؤثر علينا ..
مراجعة ما نقوم به من قرارات حاسمة ومهمة في حياتنا، هو تصرف الإنسان الذي قرر الاستفادة من كل المزايا التي يوفرها له العقل، فهو يخرجنا من مجرد راكضين في هذه الحياة إلى الأمام حيث لا نهاية.
أجيب على سؤال طرحته على نفسي "هل ما أقوله شيء مؤكد ؟"... فكان جوابي لنفسي "هي وجهة نظر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق